عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٤

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]

عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٤

المؤلف:

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]


المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٩

كثرة عددهم واتحاد أصلهم. ويعبّر بالألوان عن الأجناس والأنواع ، يقال : فلان أتى بألوان من الطعام وأنواع من الطعام.

واللون ـ أيضا ـ النّخل وهو ما عدا البرنيّ (١) والعجوة تسميها أهل المدينة الألوان ، وقيل : اللون نوع منه وهو الدّقل ، ومنه قول عمر بن عبد العزيز فيما كتب به إلى عماله : «يؤخذ في البرنّي من البرنيّ وفي اللون من اللون» (٢). قالوا : اللون : الدّقل وجمعه ألوان ، ومن ذلك قوله تعالى : (ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ)(٣) أي من نخلة غير ما ذكر ، فسكنت الواو بعد كسرة فقلبت ياء نحو قيمة. وفسّرها بالنّخلة الناعمة ، قال (٤) : ومخرجه مخرج فعلة نحو حنطة ، قال : ولا يختصّ بنوع دون نوع ، وما قاله غيره هو المشهور إلا أنّ الظاهر معه لقوله : (ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ) الآية ؛ فإنّ ذلك لا يختصّ بنوع دون نوع. وقد أدخل الراغب هذه اللفظة في مادة (ل ي ن) والصواب أنها من مادة (ل ون) كما قدمته.

ل و ه :

قد تقدّم أن الجلالة المعظمة أصلها لوه أولوه من لاه يلوه : إذا ارتفع ، وقد تقدّم القول في ذلك مشبعا فأغنى القول عن إعادته هنا.

ل و :

حرف امتناع لامتناع ، هذه عبارة القدماء ، وأورد عليها قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ)(٥) الآية ، وذلك لأنّ امتناع النفي إثبات ، وامتناع الإثبات نفي ، فيلزم محذور عظيم. وأورد عليها قوله عليه الصلاة والسّلام : «نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه» (٦) ولذلك أبى الحذّاق أن يجعلوا قول امرىء القيس (٧) : [من الطويل]

__________________

(١) البرنيّ : ضرب من التمر أصفر مدوّر ، وهو أجود التمر.

(٢) النهاية : ٤ / ٢٧٩.

(٣) ٥ / الحشر : ٥٩. أصلها لونة.

(٤) يعني الراغب (المفردات : ٤٥٧).

(٥) ٢٧ / لقمان : ٣١.

(٦) ذكر السيوطي عن السبكي أنه ليس له سند مرفوع ولا موقوف. وروي نحوه في حق سالم مولى أبي حذيفة (كشف الخفاء : ٢ / ٣٢٣).

(٧) الديوان : ٥٢.

٦١

ولو أنّ ما أسعى لأدنى معيشة

كفاني ، ولم أطلب ، قليل من المال

من التنازع ، وهذا كلّه قد حققناه في غير هذا ، وإنما نذكره منبهة على الأصول. فالصواب عبارة سيبويه أنها حرف لما كان سيقع لوقوع غيره. وبعضهم يعبّر عنها بأنها حرف شرط في الماضي ، وتخلّص المضارع للمضيّ كقوله تعالى : (لَوْ يُطِيعُكُمْ)(١) ، ويقع في المستقبل كقول توبة (٢) : [من الطويل]

ولو أنّ ليلى الأخيلية سلّمت

عليّ ودوني جندل وصفائح

لسلّمت تسليم البشاشة أو زقا

إليها صدى من جانب القبر صائح

وتقع بمعنى إن كقوله تعالى : (لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ)(٣) وهو أحد القولين في قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لو لم يخف الله» (٤) وقول الآخر (٥) : [من البسيط]

قوم إذا حاربوا شدّوا مآزرهم

دون النساء ولو باتت بأطهار

أي ، وإن باتت.

وتكون «لو» للتمنّي ، ولذلك ينصب المضارع في جوابها كقوله : (فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ)(٦) في إحدى القراءتين. وتكون حرفا مصدريا كأن عند بعضهم ، بشرط أن يتقدّمها ودّ كقوله تعالى : (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ)(٧)(وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ)(٨) أي يودّ التعمير والإدهان. وفيها كلام ليس هذا موضعه. والفصيح في واوها عند التقاء الساكنين الكسر نحو : «لو

__________________

(١) ٧ / الحجرات : ٤٩.

(٢) في الأصل : النابغة وهو وهم من الناسخ. والبيتان لتوبة ، وهما من صوت في الأغاني (١١ / ٢٤٤) ، ومذكوران في شرح شواهد المغني : ٢ / ٦٤٤. زقا : صاح. والصدى : طائر كالبومة يزعمون أنه يخرج من رأس القتيل ويصيح : اسقوني اسقوني ، حتى يؤخذ بثأره.

(٣) ٩ / النساء : ٤.

(٤) من حديث صهيب الآنف الذكر.

(٥) من شواهد المغني : ٢٦٤.

(٦) ١٠٢ / الشعراء : ٢٦.

(٧) ٩٦ / البقرة : ٢.

(٨) ٩ / القلم : ٦٨.

٦٢

استطعنا لخرجنا معكم» (١). وقرىء بضمّها حملا على واو الضمير كما حملت واو الضمير عليها ، فقرىء بكسرها نحو : (اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ)(٢).

وتزاد بعدها «لا» فتصير «لو لا» ولها معنيان : أحدهما امتناع لوجود نحو قوله : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ)(٣). ويلزم حذف الخبر بعدها وإن كان كونا مطلقا ، وإلّا فإن دلّ عليه دليل جاز حذفه وذكره كقوله (٤) : [من الوافر]

يذيب الرعب منه كلّ عضب

فلو لا الغمد يمسكه لسالا

فالأوجب ذكره كقوله : [من الطويل]

فلو لا بنوها حولها لخطبتها

وتختصّ بالإبتداء ، فأمّا قوله : [من الوافر]

فلو لا تحسبون الحلم عجزا

لما عدم المسيئون احتمالي

فعلى حذف أن ، كقوله : (وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً)(٥).

واختلف النحاة في المرفوع بعدها ، والأصحّ أنه مبتدأ ـ كما قدمته ـ والثاني : أن تكون حرف تخصيص ك «هلّا» ، كقوله تعالى : (فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ)(٦)(وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ)(٧) وقد يحذف الفعل بعدها كقوله (٨) : [من الطويل]

تعدّون عقر البيب أفضل مجدكم

بني صوطري لو لا الكميّ المقنّعا

__________________

(١) ٤٢ / التوبة : ٩.

(٢) ١٧٥ / البقرة : ٢.

(٣) ٢٠ / النور : ٢٤ ، وغيرها.

(٤) البيت لأبي العلاء المعري. ومع أن الشاعر ليس ممن يحتج بشعره فإن علماء اللغة جاؤوا به للتمثيل ، وانظر أوضح المسالك : ١ / ١٥٦ ، المغني : ٢٧٣ ، والبيت في وصف السيف.

(٥) ٢٤ / الروم : ٣٠.

(٦) ١١٦ / هود : ١١.

(٧) ١٦ / النور : ٢٤.

(٨) اختلف اللغويون والنقاد في نسبته ؛ فقيل : هو لقيس بن الملوح ، وقيل : لابن الدمينة (ديوان ابن الدمينة : ٢٠٦). وقيل : للصمة القشيري : وقيل : لإبراهيم الصولي أوضح المسالك : ٢ / ١٩٦. مغني اللبيب : ٤٤٨).

٦٣

أي ، لو لا يعدّون الكميّ. وتختصّ بالأفعال ك «هلّا». فأمّا قوله : [من الطويل]

ونبّئت ليلى أرسلت بشفاعة

إليّ ، فلو لا نفس ليلى شفيعها

فعلى إضمار كان الشأنية أي ، فلو لا كان الأمر والشأن ، هذه كلّها أصول مقرّرة فيما وضعناه.

ل ا :

ممّا ينبغي التكلم عليه هنا «لا» وهي نافية ، وناهية ، وزائدة للتوكيد ، والنافية تكون تارة لنفي الجنس وتسمّى «لا التّبرئة» وتعمل عمل إن نحو : لا رجل قائم ، واسمها معرب ومبنيّ. ولعملها شروط ، وتدخل عليها همزة الاستفهام فتصير مشتركة بين النّفي المستفهم عنه وبين التمني كقوله : ألا ماء باردا؟ وبين التّحضيض والعرض وبين الاستفتاح والتنبيه ، كقوله تعالى : (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ)(١).

والناهية / تجزم فعلا واحدا وترد للدعاء نحو : لا تعذّبنا يا ربّ.

والزائدة كقوله تعالى : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ)(٢)(لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ)(٣). وفي ما ذكرناه كفاية.

ل و ي :

قوله تعالى : (لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ)(٤) أي أمالوها وعطفوها تكبّرا عن الحقّ. يقال : لوى رأسه وعنقه ولواهما ـ مخفّفا ومشدّدا ـ. وقد قرىء بهما (٥). ويقال : لوى رأسه وعواه (٦) ـ أيضا ـ ليّا وعيّا : إذا ثناه عنك خلافا عليك.

__________________

(١) ٨ / هود : ١١.

(٢) ١٢ / الأعراف : ٧.

(٣) ٢٩ / الحديد : ٥٧.

(٤) ٥ / المنافقون : ٦٣.

(٥) قال الفراء : حركوها استهزاء بالنبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ودعائه. وقرأ بعض أهل المدينة (لووا) بالتخفيف (معاني القرآن : ٣ / ١٥٩).

(٦) عوى رأس الناقة : عاجه (اللسان).

٦٤

قوله تعالى : (لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ)(١) أي تحريفا ، والأصل لويا فأدغم. وقوله : (يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ)(٢) أي يحرّفونه ويغيّرون أحكامه.

وأصل الليّ الفتل ، والمعنى يفتلون لسانهم من النّطق بالحقّ إلى النطق بالكذب. ويعبّر به عن التخرّص إيضا.

قوله : (وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ)(٣) إي لا تعطفون عليه ولا تثنون له فرقا وخوفا ، ولذلك فسّر ب لا تعوجون ؛ يقال : فلان لا يعوج على أحد ، أي لا يلتفت إليه لعظم ما دهمه. وقد ألمّ حسان رضي الله عنه بهذا المعنى في قوله (٤) : [من الكامل]

ترك الأحبّة أن يقاتل دونهم

ونجا برأس طمرّة ولجام

قوله : (وَإِنْ تَلْوُوا)(٥) أي تنحرفوا وتنعطفوا ، قال القتيبيّ : تلووا من الليّ في الشهادة والميل إلى أحد الخصمين. وقيل : هو من لويت فلانا حقّه : أي دافعته. ومنه الحديث : «ليّ الواجد يحلّ عقوبته وعرضه» (٦). وإنما أوردت ذلك لئلّا يتوهّم التكرار في قوله : (أَوْ تُعْرِضُوا). وهو من : لاواه يلاويه ، وقرىء : «تلوا» (٧) بواو واحدة من : ولي الأمر : إذا قام به ، أي ، إن قمتم بالأمر ، وقيل : هو من الأول إلا أنه خفّف بالحذف.

واللواء : الراية لالتوائه بالرّمح. واللّوى ـ بالقصر ـ ما التوى من الرّمل ؛ قال امرؤ القيس (٨) : [من الطويل]

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

بسقط اللّوى بين الدّخول فحومل

__________________

(١) ٤٦ / النساء : ٤.

(٢) ٧٨ / آل عمران : ٣.

(٣) ١٥٣ / آل عمران : ٣.

(٤) الديوان : ١ / ٢٩ ، قاله في الحرث بن هشام وهزيمته يوم بدر ، ثم حسن إسلامه.

(٥) ١٣٥ / النساء : ٤.

(٦) النهاية : ٥ / ١٥٥ ، من حديث المطل ، أي القادر على قضاء دينه.

(٧) وكذا في معاني القرآن للفراء : ١ / ٢٩١ ، والثانية قراءة ابن عامر وحمزة ، والأولى قراءة الباقين.

(٨) مطلع معلقته.

٦٥

فصل اللام والياء

ل ي ت :

قوله تعالى : (يا لَيْتَنا نُرَدُّ)(١) ليت : حرف تمنّ من أخوات «إنّ» ، وخالف أخواته من حيث إنه إذا اتصلت به «ما» الزائدة جاز فيه الإعمال والإهمال ؛ وينشد قول الذبياني (٢) : [من البسيط]

قالت : ألا ليتما هذا الحمام لنا

إلى حمامتنا ونصفه فقد

بنصب الحمام ورفعه ، بل زعم سيبويه أنها معملة على الروايتين (٣) ، وتحقيق ذلك في «إيضاح السّبيل» وغيره. وأما أخواتها إذا اتصلت ب «ما» المذكورة بطل عملها ، كقوله تعالى : (إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ)(٤)(إِنَّما إِلهُكُمُ اللهُ)(٥) هذا هو المشهور. وزعم الفراء أنها تنصب الجزءين بقوله (٦) : [من البسيط]

ليت الشباب هو الرجيع على الفتى

والشيب كان هو النذير الأول

ولا يراعى موضع اسمها بل لفظه فقط بخلاف «أن ولن ولكن». وزعم الفراء جوازه وأنشد : [من الرجز]

يا ليتني وأنت يا لميس

في بلد ليس به أنيس

والفرق بين التمنيّ والترجّي أنّ التمني يكون في الممكنات والمستحيلات نحو : [من البسيط]

__________________

(١) ٢٧ / الأنعام : ٦.

(٢) الديوان : ١٦ ، وفيه : فياليتنا ، وما في النص رواية الأصمعي. فقد : حسب.

(٣) يرى سيبويه رفعه على وجهين : على أن يكون بمنزلة قول من قال : «مثلا ما بعوضة» وهي قراءة الضحاك وابن أبي عبلة ورؤبة وقطرب في الآية ٢٦ من سورة البقرة ، وقراءة الجمهور «بعوضة» بالنصب. أو يكون بمنزلة قوله : إنما زيد منطلق ، أي بجعل ما كافة. وانظر الكتاب : ٢ / ١٣٨ ، وحاشيته.

(٤) ١٧١ / النساء : ٤.

(٥) ٩٨ / طه : ٢٠.

(٦) ذكره الفراء في معاني القرآن : ١ / ٤١٠ و ٢ / ٣٥٢ ، وفيه : البديء الأول.

٦٦

ليت الشباب هو الرجيع على الفتى

والترجّي لا يكون إلا في الممكنات ، لا يقال : ليت الشباب يعود. وقد يعرب إذا قصد به حكاية مجرد اللفظ (١) : [من الرجز]

ليت وهل ينفع شيئا ليت

ليت شبابا بوع فاشتريت

وكقوله : (٢) [من الخفيف]

إنّ ليتا وإنّ لوّا عنّاء

واللّيت ـ بكسر اللام ـ عرق في العنق ، قال : [من الطويل]

تلفّتّ نحو الحيّ حتى وجدتني

رجعت من الإصغاء ليتا وأخدعا

ل ي س :

قوله تعالى : (لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ)(٣) ليس : فعل ناقص ملازم النقص ، وزعم أبو علي أنه حرف. ويعمل عمل «كان» ولا يتصرّف ، وله أحكام كثيرة ، ولعدم تصرفه وشبهه بالحرف لم يلتزم معه نون الوقاية كلزومها مع غيره ، كقوله (٤) : [من الرجز]

عددت قومي كعديد الطّيس

إذ ذهب القوم الكرام ليسي

وتقع استثناء كقوله : «ليس السنّ والظفر» (٥) إي : إلا السنّ [والظفر].

وتدخل عليها الهمزة فتفيد التقرير كقوله تعالى : (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ)(٦) أي ، الله كافيه. وهذا لا خصوصية له ب «ليس» بل كلّ استفهام دخل على نفي قرّره ، نحو : (أَلَنْ

__________________

(١) من شواهد النحويين : مغني اللبيب : ٣٩٣. شرح المفصل : ٧ / ٧٠ ، والرجز لرؤبة.

(٢) من شواهد الراغب : ٤٥٦.

(٣) ٨ / هود : ١١.

(٤) رجز لرؤبة ، مذكور في اللسان ـ طيس.

(٥) النهاية : ٤ / ٢٨٤ ، والإضافة منه.

(٦) ٣٦ / الزمر : ٣٩.

٦٧

يَكْفِيَكُمْ)(١)(أَلَمْ نَشْرَحْ)(٢) وقال ابن عباس في قوله تعالى : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى)(٣) ، لو قالوا نعم لكفروا (٤). وفيه بحث حسن حقّقناه في موضعه ، وقد تقدّم أنّ بعضهم زعم أنّ «لات» أصلها «ليس» وليس بشيء.

ل ي ك :

قوله تعالى : (كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ)(٥) تقدّم في باب الهمزة أنه قرىء «الأيكة» و «ليكة». وكلام الناس في ذلك هناك فأغنى عن إعادته هنا.

ل ي ل :

قوله تعالى : (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ)(٦) الليل عبارة عن زمن مغيب الشمس إلى طلوع الفجر أو طلوع الشمس ، لأنه مقابل النهار. وقيل : هو قبل النهار أو بعده ، خلاف لا طائل تحته. وقوله تعالى : (نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ) من أبلغ الاستعارات جعله كشاة كشط جلدها عنها. وقوله : (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ)(٧). قيل : هو مفرد يراد به الجمع ، ولا حاجة إلى ذلك لأن المراد به الجنس.

والليل ـ إيضا ـ فرخ الحبارى. ويقال له : ليل أليل على المبالغة ، ويستطال عند هجوم الهمّ ونحوه ، كقول امرىء القيس (٨) : [من الطويل]

فيا لك من ليل كأنّ نجومه

بكلّ مغار الفتل شدّت بيذبل

__________________

(١) ١٢٤ / آل عمران : ٣٤.

(٢) ١٧٢ / الأعراف : ٧.

(٣) ١ / الشرح : ٩٤.

(٤) ووجهه أن نعم تصديق للمخبر بنفي أو إيجاب. ولكن وقع في الحديث ما يقتضي أنها يجاب بها الإستفهام المجرد «مغني اللبيب : ١١٤ ، وانظر تفصيلا آخر ص ٣٤٥ وما بعدها).

(٥) ١٧٦ / الشعراء : ٢٦.

(٦) ٣٧ / يس : ٣٦.

(٧) ١٧ / الذاريات : ٥١.

(٨) الديوان : ٣٦ ، من المعلقة.

٦٨

وقال أيضا (١) : [من الطويل]

وليل كموج البحر أرخى سدوله

عليّ بأنواع الهموم ليبتلي

والليلة : واحدة الليل ، وقيل : الليلة إلى زوال اليوم بعدها ، وما بعد الزوال يقال البارحة فيقال قبل الزوال : رأيت الليلة كذا ، وبعده : رأيت البارحة ، قال طرفة (٢) : [من السريع]

ما أشبه الليلة بالبارحة

وجمعها على ليل وليائل وليلات ؛ يقال : ليلة ليلاء كما قالوا : ليل أليل ، فقابلوا أفعل بفعلاء نحو : أحمر وحمراء. وقيل : أصله ليلة ليلاوة ، وقال الراغب بدليل تصغيرهم على لييلة وجمعهم على ليال (٣).

ل ي ن :

قوله تعالى : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ)(٤) أي خفضت جناحك لهم وتواضعت مع رفعة منزلتك وعلوّ مرتبتك. واللين في الأصل مقابل الخشونة. وكلاهما مدركان بالحسّ أعني حاسة اللمس. وحقيقته في الأجسام ، ثمّ يستعمل في الخلق وغيره من المعاني مجازا كما تقدّم.

ويقال : فلان ليّن الجانب وفلان خشنه ، وكلّ منهما يمدح به تارة ويذمّ به أخرى ، وذلك بحسب المقامات ، ألا ترى إلى قول الحماسيّ (٥) : [من البسيط]

__________________

(١) البيت الثالث بعد السابق.

(٢) قاله وهو في سجنه يلوم أصحابه على خذلانهم (الديوان : ١٧) ، وصدره :

كلّهم أروغ من ثعلب

(٣) المفردات : ٤٥٦.

(٤) ١٥٩ / آل عمران : ٣.

(٥) من بيت لبعض شعراء بني العنبر ، وفي التبريزي : «واسمه قريط بن أنيف» وفي التنبيه لابن جني : «وقد تروى لأبي الغول الطهوي». وتمامه كما في شرح ديوان الحماسة : ١ / ٢٥ :

إذا لقام بنصري معشر خشن

عند الحفيظة إن ذو لوثة لانا

٦٩

إن ذو لوثة لانا

قوله تعالى : (ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ)(١) أي ينقادون ويطيعون ، ولما قدّم أنّ جلودهم تقشعرّ ، أخبر أنها تلين بذهاب القشعريرة عنها ، وما أحسن تقابل هاتين الصّفتين هنا! فإنّ القشعريرة بالحسّ تجعل في البدن خشونة فإذا زالت حصلت له نعومة لانبساط الجلد وامتداد شعره ، وقال الراغب (٢) : قوله : (ثُمَّ تَلِينُ) الآية ، إشارة إلى إذعانهم للحقّ وقبولهم له بعد تأبيّهم منه وإنكارهم إيّاه. وليس في ذلك إشارة إلى بعض ما ذكر لا من اللفظ ولا من السّياق ولا من قرينة حالية ، فمن أين له ذلك؟ وإنّما ضمّ لين القلوب إلى لين الجلود ليخبر بتوافق الظاهر والباطن ، وهو غاية المراد. وفي الحديث : «كان إذا عرّس بليل توسّد لينة» (٣) قيل : هي كالمسورة (٤) أو الرّفادة ، سميت بذلك للينها ، وقد تقدّم أنّ اللّينة النخلة ، أصلها من ذوات الواو فهي تشارك هذه لفظا وتفارقها أصلا ومعنى.

__________________

(١) ٢٣ / الزمر : ٣٩.

(٢) المفردات : ٤٥٧.

(٣) النهاية : ٤ / ٢٨٦.

(٤) المسورة : متكأ من الجلد.

٧٠

باب الميم

الميم :

حرف جرّ تجرّ المقسم به ، ولا تدخل إلا على الجلالة المعظّمة ، وفيه ثلاث لغات ؛ الضمّ والفتح والكسر ، نحو : م الله لأفعلنّ كذا ، و م الله ، و م الله. وقيل : بل هذه اسم لأنها بقية أيمن في قولك أيمن الله (١) فما بعده مجرور بالإضافة. وقد ردّ هذا القول بأنه لا تحذف حروف اسم حتى يصير على حرف واحد ، وبأنه ليس لنا اسم معرب على حرف واحد ، وأجيب عن ذلك ب (ر) فعل أمر من رأى فإنه لم يبق منه إلا الفاء ، وعن الثاني بما حكى ابن مقسم : اسقني ما (٢) ، مقصورا منونا فلم يبق منه إلا حرف واحد.

فصل الميم والهمزة

م ا ج :

قرأ عاصم : (إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ)(٣) فقيل : هما الأصل والألف مقلوبة فيهما. وقيل : لغتان. وقيل : الألف أصل والهمزة مقلوبة منها. وقيل : هما عربيان واشتقاقهما من أجيج النار ، أو من الأجّة وهي الاختلاط ، وعلى هذا فميمها زائدة وليست ممّا نحن فيه ، وفيهما أبحاث كثيرة ذكرتها في «الدر» و «العقد».

__________________

(١) ربما حذفوا منه النون : أيم الله ، وربما حذفوا منه الياء قالوا : أم الله ، وربما أبقوا الميم وحدها مضمومة قالوا : م الله ، ثم يكسرونها لأنها صارت حرفا واحدا فيشبهونها بالباء فيقولون : م الله .. وقالوا غير ذلك فيها.

(٢) في الأصل : بمر اسم فاعل. وصوّبنا للسياق بعده.

(٣) ٩٤ / الكهف : ١٨.

٧١

م أي :

قوله تعالى : (فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ)(١) المئة : المرتبة الثالثة من الأعداد ؛ فإنّ أصول الأعداد أربعة : آحاد وعشرات ومئون وألوف ، وأصلها مائة فحذفت لامها بدليل أمأيت الدراهم أي جعلتها مئة ، وأمّئت هي ، اي بلغت ذلك.

فصل الميم والتاء

م ت ع :

قوله تعالى : (يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً)(٢) قيل : معناه يعمّركم أي يطيل عمركم. والمادة تدلّ على الطول ، ومنه : رجل ماتع أي طويل. ومتع النهار : طال ، وأمتع فلان : طالت مدّته. وأمتعني الله بك ، أي أطال إيناسي ببقائك ، وفي حديث الدجّال : «يسخّر له جبل ماتع» (٣) وفي حديث عمر : «بينا أنا جالس في أهلي إذ متع النهار» (٤). وقيل : المتوع الامتداد والارتفاع ، ومنه قول عمر : «إذ متع النهار» ، يقال : متع النبات (٥).

والمتاع : انتفاع ممتدّ (٦). ويقال لكلّ ما ينتفع به في البيت وفي غيره : متاع ، ومنه قوله تعالى : (ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ)(٧) وقوله : (وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ)(٨) قيل : طعامهم ، وقيل : أوعية طعامهم ، وكلاهما متاع للانتفاع بهما.

ومتعة المطلّقة : ما تنتفع به مدة عدتها. وقوله : (وَمَتِّعُوهُنَ)(٩) أي أعطوهنّ من

__________________

(١) ٢٥٩ / البقرة : ٢.

(٢) ٣ / هود : ١١.

(٣) النهاية : ٤ / ٢٩٣.

(٤) المصدر السابق ، والحديث لمالك بن أوس.

(٥) متع النبات : إذا ارتفع في أول النبات.

(٦) يريد : ممتدّ الوقت.

(٧) ١٧ / الرعد : ١٣.

(٨) ٦٥ / يوسف : ١٢.

(٩) ٢٣٦ / البقرة : ٢.

٧٢

النّفقة ما ينتفعن به. ومنه : نكاح المتعة وذلك أنه كان الرجل ينكح المرأة مدة معلومة ينتفع بها فيها إذا مضت فارقها من غير طلاق كالمستأجرة ، وقال الراغب (١) : هي أنّ الرجل كان يشارط المرأة على مال معلوم يعطيها إلى أجل معلوم ، فإذا انقضى ذلك الأجل فارقها من غير طلاق ، وكيفما كان فنكاح المتعة باطل وإن كان جائزا في أول الإسلام فقد نسخ حكمه. وقد بينّا مذاهب الناس فيه في «القول الوجيز».

وقوله : (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِ)(٢) اختلف الناس في كيفية ذلك على ما بينّاه في الكتاب المشار إليه ، وحاصله أنّ فيه انتفاعا للحاجّ بمعنى أن ينتفع باستباحته محظورات الإحرام تلك المدة إلى أن يحرم بالحجّ بخلاف المفرد والقارن (٣).

وكلّ موضع ذكر فيه تمتّع الدّنيا فعلى سبيل التّهديد ، وذلك لما فيه من التوسّع والتنعّم. قوله : (قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ)(٤) أي سائر انتفاعاتها بجميع الأشياء قليل في جنب متاع الآخرة لكثرته كثرة خارجة عن الحدّ ، ولكونه على صفة لا يعلمها إلا الله ولو لم يكن فيه إلا سلامته من المنغّصات والشّوائب والمكدّرات وانقطاعه في بعض الأوقات لكفى. قوله : (وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ)(٥) يحتمل البقاء ويحتمل التّوسعة في النّعمة. قوله : (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ)(٦) تنبيه على أنّ لكلّ إنسان من الدنيا تمتّع مدة معلومة. قوله : (إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً إِلى حِينٍ)(٧) أي لا بدّ لهم من حين يموتون فيه بعد إنجائنا إياهم من الغرق وتمتيعنا لهم في الدّنيا بضروب النّعم ، وقد غرق بعضهم ثم نجا فهنّىء بالسلامة ، فأنشد : [من الوافر]

__________________

(١) المفردات : ٤٦١.

(٢) ١٩٦ / البقرة : ٢.

(٣) المفرد : هو الذي يحرم بالحج لا غير ، فيؤدي الحج أولا ثم يحرم بالعمرة ـ والمتمتع : هو الذي يحرم بالعمرة أولا في أشهر الحج ويتمّها ثم يحرم بالحج في سنته وأشهره. والقارن : هو الذي يجمع بين إحرام العمرة وإحرام الحج قبل وجود ركن العمرة وهو الطواف (الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي : ٣ / ١٣٤).

(٤) ٧٧ / النساء : ٤.

(٥) ٩٨ / يونس : ١٠.

(٦) ٣٦ / البقرة : ٢.

(٧) ٤٤ / يس : ٣٦.

٧٣

ولم أسلم لكي أبقى ولكن

سلمت من الحمام إلى الحمام

والاستمتاع : طلب التمتّع ، ومنه قوله تعالى : (رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ)(١) وذلك لأنّ كلّا من الجنسين قد سأل صاحبه التمتّع فأعطاه ما سأله الجنّ سوّلت لهم أعمالا فأطاعوهم فيها. وقيل : استمتاع الإنس بالجنّ : هو أنّ الرجل من الإنس كان إذا سافر فنزل واديا وخاف من شرّه قال : أعوذ برئيس هذا الوادي. واستمتاع الجنّ بالإنس هو تعظيمهم إياهم حيث كانوا عندهم ممن يعاذ به ويلتجأ إليه. وقد أخبر الله تعالى بذلك حيث قال : (وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِ)(٢).

قوله : (فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ)(٣) أي انتفعوا بنصيبهم من الدنيا. وقال الفراء : رضوا به عن نصيبهم في الآخرة.

قوله : (ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ)(٤) أي مثل الحديد والنّحاس والرّصاص وسائر الجواهر المنطبعة لكثرة انتفاعهم بها سفرا وحضرا وطول بقائها. وفي الحديث : «حرّم شجر المدينة ورخّص في الهشّ ومتاع النّاضح» (٥) أراد به أداة الرّحل ونحوه التي تؤخذ من الشجر.

وقولهم : شراب ماتع قيل : معناه أحمر. والظاهر / أنّ الحمرة ليست من خصوصية ذلك بل المراد بالماتع المائع وإنما ذكروا الحمرة لأنها في الغالب دالة على جودته وقوة الانتفاع به. وقالوا : حبل ماتع أي قويّ. وأنشد (٦) : [من الطويل]

وميزانه في سورة البرّ ماتع

أي قويّ راجح.

__________________

(١) ١٢٨ / الأنعام : ٦.

(٢) ٦ / الجن : ٧٢.

(٣) ٦٩ / التوبة : ٩.

(٤) ١٧ / الرعد : ١٣.

(٥) النهاية : ٤ / ٢٩٣ ، كذا رواية الهروي ، وعند ابن الأثير : «.. حرّم المدينة».

(٦) البيت للنابغة الذبياني ، وصدره (الديوان : ٥٢) :

إلى خير دين نسكه قد علمته

ورواية اللسان : إلى خير دين سنّة .. (مادة متع).

٧٤

م ت ك :

قرأ بعض القراء : «وأعتدت لهنّ متّكا» (١) قيل : هو الأترجّ (٢). وقرىء بفتح ميمه أيضا ، ونقل أبو عمرو : فيه تثليث الميم بالحركات الثلاث. وأنشد من قال هو الأترجّ قول الشاعر : [من الوافر]

فأهدت متكة لبني أبيها

تخبّ بها العثمثمة الوقاح

وقيل : بل هو اسم لكلّ فاكهة تقطع بالسكين كالأترجّ ونحوه ، وأنشد : [من الخفيف]

نشرب الإثم بالصّواع جهارا

وترى المتك بيننا مستعارا

وفرّق بعضهم بين المضموم وغيره فقال : هو بالضمّ أترجّ وبالفتح الخمر. وقيل : هو الشراب الخالص. وقال المفضل : هو بالضمّ المائدة أو الخمر في لغة كندة. وقيل : هو من بتك أي قطع ، فأبدلت الباء ميما ، وهي لغة مطردة.

م ت ن :

قوله تعالى : (ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)(٣) الشديد الحول ، وقيل : هو من تأكيد اللفظ لاختلاف معناه ؛ فالمتين : القويّ ، كقوله : (صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ)(٤) وأصله من المتن وهو الصلب فإنه أقوى ما في الناس.

والمتنان (من باب شابت مفارقه) (٥). وقيل : بل المتنان مكتنفا الصّلب (٦) ، وبه شبّه المتن من الأرض.

__________________

(١) ٣١ / يوسف : ١٢.

(٢) وذلك على قراءة «متكا» غير مهموز. قال الفراء : فسمعت أنه الأترج. وحدثني شيخ من ثقات أهل البصرة أنه الزّماورد (طعام يتخذ من البيض واللحم) (معاني القرآن : ٢ / ٤٢).

(٣) ٥٨ / الذاريات : ٥١.

(٤) ١٥٧ / البقرة : ٢.

(٥) يريد أنه يعبّر عن الفرد أو المثنى من أعضاء الجسم بالجمع كقولهم : أيديه ، مذاكيره ، حواجبه.

(٦) عن يمين وشمال من عصب ولحم ، يذكر ويؤنث (اللسان).

٧٥

ومتن كلّ شيء وسطه ، والمتن : المقابل للسّند ، عند أهل الحديث ، وهو نصّ الحديث.

ومتنته : ضربت متنه تجوّزا. ويقال : متنة بالتاء ، وأنشد (١) : [من المتقارب]

له متنتان خظاتا ، كما

أكبّ على ساعديه النّمر

ومتن : قوي متنه فصار متينا ، وفي الحديث في صفة القرآن : «هو حبل الله المتين» (٢) أي القويّ الذي لا ينقطع بمن تعلّق به واستمسك.

م ت ي :

قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ)(٣) متى ظرف زمان يستفهم به عن الزمن الخاصّ نحو : متى تخرج؟ وجوابه : يوم الجمعة ونحوه. ولو قيل وقتا ونحوه لم يصحّ ، وهذيل تجعلها بمعنى «وسط» فتقول : اجعله متى كمّك ، أي وسطه. وقيل : يجعلونها بمعنى «من» وعلى كلا التقديرين فيجرّ ما بعدها إما بالإضافة أو بحرف الجرّ ، وأنشد لأبي ذؤيب الهذليّ (٤) : [من الطويل]

شربن بماء البحر ثم ترفّعت

متى لجج خضر لهنّ نئيج

قيل : معناه وسط لجج ، وقيل : معناه من لجج.

وتكون اسم شرط أيضا : فعلين شرطا وجزاء كقول الشاعر (٥) :

متى تأته تعشو إلى ضوء ناره

تجد خير نار عندها خير موقد

ولما سمع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم هذا البيت قال : «تلك نار موسى» وهي مبنية على كلا التقديرين

__________________

(١) البيت لامرىء القيس (الديوان : ١١٤). خظاتا : كثيرتا اللحم ، أصلها : خظيتا.

(٢) الترمذي ، ثواب القرآن ، ١٤.

(٣) ٤٨ / يونس : ١٠.

(٤) البيت من شواهد المفردات : ٤٦٢ ، ومغني اللبيب : ١٠٥ من غير عزو. وفي ديوان الهذليين خلاف في الرواية : ١ / ٥١.

(٥) البيت مشهور للحطيئة.

٧٦

لتضمّنها معنى حرف الاستفهام والشرط. وتمال ألفها وتكتب ياء ، فمن ثمّ ذكرتها في مادّة (م ت ي).

فصل الميم والثاء

م ث ل :

قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها)(١) الآية. المثل هو القول السائر وفق الحال التي ضرب لها ، ولا بدّ فيه من غرابة لمّا أنزل الله : (لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً)(٢)(لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ)(٣). قالت اليهود : إنّ الله أجلّ أن يتكلم بهذا فنزلت.

وقيل : المثل عبارة عن قول في شيء يشبه قولا في شيء آخر بينهما مشابهة لتبيين أحدهما للآخر وتصوّره ، نحو قولهم : «الصيف ضيّعت اللبن» (٤) فإنّ هذا القول يشبه قولك : أهملت وقت الإمكان أمرك ، ولذلك قال تعالى : (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ)(٥) لأنه لا بدّ من تدبّر المثل والممثّل له ومطابقة ما بينهما.

قيل : والمثل يقال على وجهين : أحدهما بمعنى المثل ، نحو شبه وشبه ونقض ونقض. قال : بعضهم : وقد يعبّر بها عن وصف الشيء نحو قوله تعالى : (مَثَلُ الْجَنَّةِ)(٦) أي صفتها. والثاني عبارة عن المشابهة لغيره في معنى من المعاني أيّ معنى كان ، وهو أعمّ الألفاظ الموضوعة للمشابهة وذلك أنّ [النّدّ](٧) يقال فيما يشاركه في الجوهريّة فقط ، والشّكل فيما يشاركه في القدر والمساحة ، والشّبه يقال فيما يشاركه في الكيف فقط ، والمثل

__________________

(١) ٢٦ / البقرة : ٢.

(٢) ٧٣ / الحج : ٢٢.

(٣) ٤١ / العنكبوت : ٢٩.

(٤) فصل المقال : ٣٥٧ ، من أمثالهم في التفريط ، وصاحبه عمرو بن عمرو بن عدس.

(٥) ٤٣ / العنكبوت : ٢٩.

(٦) ٣٥ / الرعد : ١٣.

(٧) إضافة من النسخة د ، وتناسب المقام.

٧٧

عامّ في جميع ذلك. قال (١) : ولهذا لما أراد الباري عزوجل نفي التّشبيه عن ذاته المقدّسة من كلّ وجه خصّه بالذّكر دون بقية الألفاظ المذكورة. فقال تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)(٢) قيل : وجمع بين كاف التشبيه ولفظ المثل تنبيها على إرادة تأكيد النّفي ، وتنبيها على أنه [لا] يصحّ استعمال المثل ولا الكاف ، فنفى ب «ليس» الأمرين جميعا. وقال بعضهم : الكاف مزيدة إذ لو لم يقل ذلك للزم ثبوت مثل لله تعالى إذ يصير التقدير : ليس مثل مثله شيء ، وهو محال. وقيل : المثل هنا بمعنى الصّفة ، ومعناه : ليس كصفته صفة ، تنبيها على أنه وإن وصف بكثير ممّا يوصف به البشر فليس تلك الصفات له على حسب ما يستعمل في البشر.

وقيل : المثل يجيء بمعنى الذات نحو قولهم : مثلك لا يفعل كذا. يريدون أنت لا تفعل كذا ، وهو أبلغ منه ، وأنشدوا : [من الطويل]

على مثل ليلى يقتل المرء نفسه

وإن بات من ليلى على الناس طاويا

يريدون : على ليلى ، بدليل قوله : وإن بات من ليلى.

وقد منع الله من ضرب المثل له تعالى بقوله : (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ)(٣). وقد نبّه أنه يضرب لنفسه المثل ، ولا يجوز أن نقتدي به في ذلك ، فقال تعالى : (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(٤) ثم ضرب لنفسه مثلا فقال : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً)(٥) الآية. قال بعضهم : وفيه تنبيه أنه لا يجوز أن نصفه بصفة ممّا يوصف به البشر إلا ما وصف به نفسه.

قوله : (لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى)(٦) أي لهم الصفات الذّميمة وله تعالى الصفات العلى.

__________________

(١) يريد الراغب في المفردات : ٤٦٢.

(٢) ١١ / الشورى : ٤٢.

(٣) ٧٤ / النحل : ١٦.

(٤) تتمة الآية السابقة.

(٥) ٧٥ / النحل : ١٦.

(٦) ٦٠ / النحل : ١٦.

٧٨

قوله تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ)(١) الآية. أي هم في جهلهم [بمضمون](٢) حقائق معاني التوراة كالحمار في جهله ممّا على ظهره من الأسفار. وقوله : (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ)(٣) منبهة في ملازمته عنه واتباعه هواه وقلة مزايلته له بالكلب الذي لا يزايل اللهث على جميع الأحوال ، وقد تقدّم شرحه. وقوله : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً)(٤) شبّه من أتاه الله ضربا من الهدى والمعونة فأضاعه ولم يتوصّل به إلى ما رشّح له من نعيم الأبد بمن استوقد نارا في ظلمة. فلمّا أضاءت له ضيّعها ونكس فعاد في ظلمته التي كان فيها.

قوله : (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ)(٥) الآية. شبّهوا المدعوّ بالغنم التي ينعق بها وداعيها بالناعق بالغنم فأجمل وراعى مقابلة المعنى دون مقابلة الألفاظ. وبسط ذلك وشرحه : ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بالغنم ، ومثل الغنم التي لا تسمع إلا دعاء ونداء. وفيه تقديرات أخر حرّرناها في «الدر» وغيره.

قوله : (وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ)(٦) أي النّقمات ، الواحدة مثلة. وقرىء بسكون العين ، وهو مطّرد كعضد في عضد (٧). والمثلة : نقمة تنزل بالإنسان فيجعل مثالا يرتدع به غيره كالنّكال. وقيل : المثلة هي المثلة بضمّ الفاء وسكون العين (٨). وقد قرىء المثلات جمعا له. وقال ابن اليزيديّ : المثلات : الأمثال والأشباه.

قوله : (وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ)(٩) أي قصصهم وعقوبتهم. قوله : (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ)(١٠) ، (ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ)(١١) ، (وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ

__________________

(١) ٥ / الجمعة : ٦٢.

(٢) بياض في الأصل ، والإضافة من د.

(٣) ١٧٦ / الأعراف : ٧.

(٤) ١٧ / البقرة : ٢.

(٥) ١٧١ / البقرة : ٢.

(٦) ٦ / الرعد : ١٣.

(٧) قرأ يحيى بن وثاب «المثلات» ، وعيسى بن عمر «المثلات» (مختصر الشواذ : ٦٦).

(٨) ساقطة من ح.

(٩) ٨ / الزخرف : ٤٣.

(١٠) ١٨ / إبراهيم : ١٤.

(١١) ٢٩ / الفتح : ٤٨.

٧٩

خَلَوْا)(١) كلّ ذلك بمعنى الصّفة ، ويجوز أن يكون على بابه لما في ذلك من الغرابة.

قوله تعالى : (وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ)(٢) أي من مثل السّفن. ويعني بذلك الإبل ، وذلك أنّها في حملها الأشياء الثقيلة وصبرها على عدم الماء والعلف كالسّفن ، ولذلك تسمّيها العرب «سفن البرّ».

قوله تعالى : (وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ)(٣) أي أنه تعالى أحيا من مات من ولد أيوب عليه‌السلام ورزقه مثلهم زيادة.

قوله تعالى : (ما هذِهِ التَّماثِيلُ)(٤) الواحد تمثال. وهي صورة تجعل على شكل من يرون حكاية صورته وشكله ، والمراد هنا الأصنام. وقوله : (مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ)(٥) قيل : هي صور الأنبياء ، وكان التصوير في شرعه عليه الصلاة والسّلام مباحا ، فأمر الجنّ أن يصوّروا مثل صور الأنبياء لتذكّر الناس أفعالهم فيعملون بعملهم. وكذا كان زمن نوح عليه‌السلام. يقال : إنّ ودّا وسواعا ويغوث ونسرا كانوا قوما صالحين. فلما ماتوا صوّروا صورهم ليتذكّر الناس بهم. فلما طال الزمان وحدث خلف جاء إبليس فقال لهم : إنّ آباءكم الأقدمين كانوا يعبدون هؤلاء ، وعبدها قدّامهم ، فتبعوه. وأصل المادة على الانتصاب والتصوير ؛ يقال : مثل بين يديه أي انتصب ، ومنه الحديث : «من أحبّ أن يمثل الناس له قياما فليتبوّأ مقعده من النار» (٦).

والممثّل : هو الشيء المصوّر على مثال غيره ، وتمثّل كذا : تصوّره بصورته ؛ قال تعالى : (فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا)(٧).

__________________

(١) ٢١٤ / البقرة : ٢.

(٢) ٤٢ / يس : ٣٦.

(٣) ٤٣ / ص : ٣٨.

(٤) ٥٢ / الأنبياء : ٢١.

(٥) ١٣ / سبأ : ٣٤.

(٦) النهاية : ٤ / ٢٩٤ ، وفيه : «من سرّه ...» ، والترمذي ، الأدب ، ١٣.

(٧) ١٧ / مريم : ١٩.

٨٠